“لولا الدراج اللبناني طارق ابو الذهب لما كان متحفنا موجودا”

القصة بدأت بدراجة هوائية كانت تستعملها فتاة في تتقلاتها بين المدرسة والمنزل وعندما هجم النصيب تزوجت وسافرت وتركت الدراجة لشقيقها الاصغر طارق الذي راح يستعملها في تجواله في ازقة حي الظريف في العاصمة بيروت الذي ولد وترعرع فيه قبل خمسة وسبعين عاما وما زال يقطنه حتى الآن. الحي حينها يقول طارق لم يكن كما هو اليوم يعج بالمارة والسيارات وتزدحم فيه المحال التجارية. بساتين الليمون والصبار كانت تغطي المكان والبيوت قليلة ومتباعدة والطرقات مفروشة بالرمل الاحمر.علاقة طارق مع ” البيسكلات” تطورت اكثر مع انضمام شقيقه الاكبر الى نادي القلب الاقدس لرياضة الدراجات الهوائية. رحلة تمرينية قام بها فريق النادي على الطريق الساحلي بين صيدا وبيروت رافق فيها طارق شقيقه من باب الفضول وكان ذلك العام 1956. لم يكن طارق يدري في ذلك الوقت ان هناك من يراقبه وهو “جوزف غلام” رئيس النادي ومدرب الفريق. طريقة امتطاء طرق للدراجة وحركة رجليه على الدواسات لفتته جدا. المفاجأة كانت بالنسبة لغلام هي عندما نظر حوله في طريق العودة ليجد ان الفتى المراهق قد سبق لاعبيه المتمرسين بمئات الامتار فكان ان اقترب من شقيق طارق وقال له : “احضر لي اخاك غدا”.

في نادي القلب الاقدس بدأت رحلة طارق في عالم رياضة الدراجات الهوائية. اعطاه جوزف غلام دراجة وراح يشرف يوميا ولعدة اشهر على صقل موهبته. وعندما تأكد من اهليته دفع به الى المباراة الاولى وهي كانت سباق صيدا – بيروت. عند خط النهاية رقص جوزف غلام فرحا وهو يشاهد الفتى الذي آمن بموهبته يحقق رقما قياسيا عجز الكبار عن تحقيقه وهو ساعة و 57 ثانية… هذا المشهد لم يكن سوى البداية لتكر بعدها سبحة الانتصارات ويصبح طارق ابو الذهب رقما صعبا في هذة الرياضة في لبنان. التحدي الاكبر كان بالنسبة له عندما استدعاه جوزف غلام يوما وقال له : كل الذي حققته هذا العام لايساوي شيئا ان لم تحرز بطولة لبنان في العام المقبل. اكثر من ثلث النهار كان يمضيه طارق ابو الذهب في التمرين باشراف استاذه ومكتشف قدراته. بطولة لبنان التي حصل عليها للمرة الاولى العام 1957 حافظ عليها لثلاث سنوات متتالية. حتى اتى التطور الابرز في حياته الرياضية. سباق مصر الدولي الذي كان يقام كل عام لم يشارك فيه الاتحاد اللبناني للدراجات ولامرة الحجة كانت عدم جهوزية الفريق اللبناني لخوض هذه التجربة. لكن ابو الذهب لم يقتنع بهذا التبرير فكتب الى الاتحاد المصري يطلب اشراكه منفردا في هذا السباق كممثل للبنان. لكن الجواب المصري جاء بالاعتذار. ردة فعل الاتحاد اللبناني على تصرفه هذا جاء قاسيا. فأصدر قرارا بمنعه من المشاركة في اي من السباقات المحلية. فكان ان لجأ الى فرنسا بغية تأمين استمراريته في هذه الرياضة. مدرب الفريق الفرنسي كان قد اعجب به ابان مشاركته في دورة العاب البحر المتوسط التي جرت في لبنان العام 1959 والتي حل فيها ابو الذهب سادسا. فاقترح عليه الذهاب الى فرنسا والاحتراف هناك. في فرنسا لم تكن طريق الشاب البيروتي الذي انضم الى نادي vc12 للمحترفين وشاركه في احراز عدد من البطولات مفروشة بالورد المبلغ الذي اعطته اياه شقيقته اصبح على وشك النفاد وعائلته رفضت ان تمده بأي مبلغ اضافي طالبة منه العودة الى بيروت. تدمع عينا طارق وهو يخبرك عن ايام امضاها من دون عشاء حتى يقتصد في مصروفه من اجل توفير ايجار الغرفة التي كان يسكن فيها في باريس. انقاذه من هذه الورطة جاء هذه المرة ايضا على يد عرابه جوزف غلام الذي التقاه في باريس وامن له عملا في احد المطاعم. القاب عدة احرزها ابو الذهب لناديه الفرنسي. الصحف الفرنسية كتبت عنه الكثير. بعض ما قالته يعرضه طارق في اطارات معلقة في محله. والبعض الآخر يحتفظ به مؤرشفا في ملف يحكي سيرته الرياضية. ست سنوات امضاها طارق ابو الذهب في باريس قبل ان يقنعه جوزف غلام بالعودة الى لبنان واعطاه مالا لافتتاح المحل الذي هو فيه الآن لبيع وتصليح الدراجات الهوائية وكان ذلك العام 1968. عودة طارق لممارسة هذه الرياضة في لبنان شهدت اعتراضا من بعض من هم في الاتحاد اللبناني للدراجات قالوا يومها ان طارق محترف ولايمكن له المشاركة مع لاعبين هواة فكان ان تدخل مرة اخرى جوزف غلام. فحلت المشكلة. مشاركته مجددا في البطولات المحلية كان من نتيجتها حصوله على بطولة لبنان للأعوام 1970 و1971 و1972 قبل ان يقرر الاعتزال العام 1973.

بالعودة الى فرنسا يقول طارق ان المشاركة الابرز له هناك كانت في سباق السلام الذي كان يقام سنويا في المانيا وكان المتسابقون يقطعون فيه مسافة 2500 كلم بين مدن برلين وبراغ وفرصوفيا وكان هو اللبناني الوحيد الذي كان يشارك فيه. لم يكن طارق ابو الذهب يدري انه اثناء مشاركته في هذا السباق ان هناك صبيا المانيا اسمه “هورست ستشايفير”. من مدينة برلين كان من اشد المعجبين به وكان يراقبه عن كثب ويلتقط له الصور, هذا الامر ظل مجهولا لديه حتى العام 2012 حتى اكتشف احد اقاربه صدفة موقعا على الانترنت اقامه هورست لمتحف سباق السلام وهو متحف اقامه في مزرعته في برلين يحتفظ فيه بصور كل الذين شاركوا في سباق السلام هذا ومن بينهم اللبناني طارق ابو الذهب. وقد كتب تحت صورته ” لولا الدراج اللبناني طارق ابو الذهب المولود في بيروت لما كان متحفنا موجودا كنت اجلس تحت الشجرة انتظر بفارغ الصبر وصوله”. هذا المشهد كان من نتيجته ان سافر طارق الى المانيا للتعرف الى هورست. والذي اصبح يدعو كل الاحياء من الذي كانوا يشاركون في سباق السلام الى مزرعته كل عام في تقليد اصبح سنويا منذ العام 2012.

 

المصدر: البلد

شاهد أيضاً

مركز الدراجة العربية يعتمد برامجه للعام الجاري 2024

ترأس سعادة الشيخ فيصل بن حميد القاسمي رئيس الاتحاد العربي للدراجات رئيس مجلس ادارة مركز …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.